للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَتَجْرِي «١» فِيهِ الْأَنْهَارُ. قَالَ ابْنُ جرير «٢» رحمه الله: وَفِي الرَّبْوَةِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ:

هُنَّ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ: بِضَمِّ الرَّاءِ، وَبِهَا قَرَأَ عَامَّةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَفَتْحِهَا وَهِيَ قِرَاءَةُ بَعْضِ أَهْلِ الشَّامِ وَالْكُوفَةِ، وَيُقَالُ إِنَّهَا لُغَةُ تَمِيمٍ، وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهَا قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ «٣» .

وَقَوْلُهُ أَصابَها وابِلٌ وَهُوَ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَآتَتْ أُكُلَها أَيْ ثَمَرَتَهَا ضِعْفَيْنِ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْجِنَانِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الرَّذَاذُ وَهُوَ اللَّيِّنُ مِنَ الْمَطَرِ، أَيْ هَذِهِ الْجَنَّةُ بِهَذِهِ الرَّبْوَةِ لَا تَمْحُلُ أَبَدًا، لِأَنَّهَا إِنْ لَمْ يَصُبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ، وَأَيًّا مَا كَانَ فَهُوَ كِفَايَتُهَا، وَكَذَلِكَ عَمَلُ الْمُؤْمِنُ لَا يَبُورُ أَبَدًا، بَلْ يَتَقَبَّلُهُ اللَّهُ وَيُكَثِّرُهُ وَيُنَمِّيهِ كُلُّ عَامِلٍ بِحَسْبِهِ، وَلِهَذَا قَالَ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ عِبَادِهِ شيء.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٦]]

أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)

قَالَ الْبُخَارِيُّ «٤» عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم: فيم تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ؟ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ، فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلَا تُحَقِّرْ نفسك، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي، حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ، ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَذَكَرَهُ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ كِفَايَةٌ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَبْيِينِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَثَلِ بِعَمَلِ مَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ انْعَكَسَ سَيْرُهُ فَبَدَّلَ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ عِيَاذًا بِالْلَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبْطَلَ بِعَمَلِهِ الثَّانِي مَا أَسْلَفَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الصَالِحٍ، وَاحْتَاجَ إلى شيء من الأول في أضيق


(١) في القرطبي (٣/ ٣١٥) عن ابن عباس: «الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار، لأن قوله (أصابها وابل) إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار، ولم يرد جنس التي تجري فيها الأنهار» .
(٢) تفسير الطبري ٣/ ٧١. [.....]
(٣) وذكر القرطبي أن فيها خمس لغات، فزاد على الثلاث الواردة هنا: رباوة (بفتح الراء) قال: وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن، ورباوة (بكسر الراء) قال: وبها قرأ الأشهب العقيلي.
(٤) صحيح البخاري (تفسير سورة ٢ باب ١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>