للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أشياء تختلف عليّ في القرآن، قال: ما هو؟ أشك في القرآن؟ قال: ليس هو بالشك، ولكن اختلاف قال: فهات ما اختلف عليك من ذلك، قال أسمع الله يقول ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٢٣] وقال ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾ فقد كتموا. فقال ابن عباس: أما قوله: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره ولا يغفر شركا جحد المشركون، فقالوا ﴿وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ رجاء أن يغفر لهم، فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، فعند ذلك ﴿يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾. وقال جويبر عن الضحاك: إن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال: يا ابن عباس، قول الله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾ وقوله: ﴿وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾، فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك، فقلت: ألقى على ابن عباس متشابه القرآن، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله تعالى جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد، فيقول المشركون: إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده، فيقولون: تعالوا نجحد: فيسألهم فيقولون ﴿وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ قال: فيختم الله على أفواههم ويستنطق جوارحهم فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين. فعند ذلك يتمنون لو أن الأرض سويت بهم ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً﴾ رواه ابن جرير (١).

[[سورة النساء (٤): آية ٤٣]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)

ينهى عباده المؤمنين عن فعل الصلاة في حال السكر الذي لا يدري معه المصلي ما يقول، وعن قربان محالها التي هي المساجد للجنب، إلا أن يكون مجتازا من باب إلى باب من غير مكث، وقد كان هذا قبل تحريم الخمر، كما دل عليه الحديث الذي ذكرناه في سورة البقرة عند قوله تعالى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ [البقرة: ٢١٩]. فإن رسول الله تلاها على عمر، فقال «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا»، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه فقال «اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا» فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلوات فلما نزل قوله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠] إلى قوله تعالى: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾


(١) تفسير الطبري ٤/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>