للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال تعالى مبشرا للمؤمنين وآمرا: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كل واحد بعشرة، ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة. قال عبد الله بن المبارك: حدثنا جرير بن حازم، حدثنا الزبير بن الحريث، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لما نزلت ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ شق ذلك على المسلمين، حتى فرض الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ﴾ إلى قوله ﴿يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ قال خفف الله عنهم من العدة، ونقص من الصبر، بقدر ما خفف عنهم.

وروى البخاري (١) من حديث ابن المبارك نحوه. وقال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: كتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين، ثم خفف الله عنهم، فقال ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ فلا ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين، وروى البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان به نحوه، وقال محمد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح، عن عطاء عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائة ألفا، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى، فقال ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ الآية، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم، لم يسغ لهم أن يفروا من عدوهم، وإذا كانوا دون ذلك، لم يجب عليهم قتالهم، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم (٢).

وروى علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس نحو ذلك، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وعطاء وعكرمة والحسن، وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والضحاك، وغيرهم نحو ذلك، وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه: من حديث المسيب بن شريك، عن ابن عون عن نافع، عن ابن عمر ، في قوله ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ﴾ قال نزلت فينا أصحاب محمد وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي عمرو بن العلاء، عن نافع عن ابن عمر، أن رسول الله قرأ ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً﴾ رفع ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٦٧ إلى ٦٩]]

﴿ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاِتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)


(١) كتاب التفسير تفسير سورة ٨، باب ٦، ٧.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>