وعددكم، .. ولهذا قال: ﴿فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾ أي في حال علوكم على عدوكم .. فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع المسلمين، ورأى الإمام في المهادنة، والمعاهدة مصلحة فله أن يفعل ذلك، كما فعل رسول الله ﷺ حين صده كفار قريش عن مكة ودعوه إلى الصلح، ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين فأجابهم ﷺ إلى ذلك. وقوله جلت عظمته: ﴿وَاللهُ مَعَكُمْ﴾ فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ﴾ أي ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها بل يوفيكم ثوابها ولا ينقصكم منها شيئا والله أعلم.
يقول تعالى تحقيرا لأمر الدنيا وتهوينا لشأنها ﴿إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ أي حاصلها ذلك إلا ما كان منها لله ﷿، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ﴾ أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئا وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لإخوانكم الفقراء، ليعود نفع ذلك عليكم ويرجع ثوابه إليكم، ثم قال ﷻ: ﴿إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا﴾ أي يحرجكم تبخلوا ﴿وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ﴾.
قال قتادة: قد علم الله تعالى أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان. وصدق قتادة فإن المال محبوب ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه. وقوله تعالى: ﴿ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ﴾ أي لا يجيب إلى ذلك ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ﴾ أي إنما نقص نفسه من الأجر وإنما يعود وبال ذلك عليه ﴿وَاللهُ الْغَنِيُّ﴾ أي عن كل ما سواه وكل شيء فقير إليه دائما، ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ﴾ أي بالذات إليه، فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم لا ينفكون عنه.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا﴾ أي عن طاعته واتباع شرعه ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ﴾ أي ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره. وقال ابن أبي حاتم وابن جرير (١):
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ﵁ قال: إن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ﴾ قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا