للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحذر عباده المؤمنين عن أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله وما منحهم به من إرسال رسوله، كما قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ [البقرة: ١٠٩] الآية، وهكذا قال هاهنا ﴿إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ﴾ ثم قال تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾ يعني أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه، فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارا، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الحديد: ٨]. وكما جاء في الحديث أن النبي ، قال لأصحابه يوما «أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا؟» قالوا: الملائكة. قال: «وكيف لا يؤمنون وهم عند ربهم»؟ وذكروا الأنبياء، قال «وكيف لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟» قالوا: فنحن. قال «وكيف لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟» قالوا: فأي الناس أعجب إيمانا؟ قال: «قوم يجيئون من بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها» وقد ذكرت سند هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري، ولله الحمد.

ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدّة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد وحصول المراد.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٠٢ إلى ١٠٣]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢) وَاِعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن عن سفيان وشعبة عن زبيد اليامي، عن مرة، عن عبد الله هو ابن مسعود ﴿اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾ قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وهذا إسناد صحيح موقوف، وقد تابع مرة عليه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود.

وقد رواه ابن مردويه من حديث يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب، عن سفيان الثوري، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله : ﴿اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ﴾: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى»، وكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث مسعر عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود مرفوعا، فذكره، ثم قال: صحيح على شرط

<<  <  ج: ص:  >  >>