للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فو الله لَوْلَا اللَّهُ أَنِّي أُرَاقِبَهْ ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ «١»

فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَمْ أَكْثَرَ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ أَحَدًا مِنَ الْجُيُوشِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ حَدِيثَ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا إِذْ مَرَّ بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها، تَقُولُ:

تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَازْوَرَّ جَانِبُهْ ... وَأَرَّقَنِي أن لا ضَجِيعَ أُلَاعِبُهْ

أُلَاعِبُهُ طُورًا وَطُورًا كَأَنَّمَا ... بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَاجِبُهْ

يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلْهُو بِقُرْبِهِ ... لَطِيفُ الْحَشَا لَا يحتويه أقاربه

فو الله لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَنُقِضَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ

وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رَقِيبًا مُوَكَّلًا ... بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه

مخافة ربي والحياء يصدني ... وإكرام بعلي أن تنال مراكبه

ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ نَحْوَهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا مِنْ طَرْقٍ وَهُوَ من المشهورات.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٨]]

وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)

هذا أمر مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُطَلَّقَاتِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، بِأَنْ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، أَيْ بِأَنْ تَمْكُثَ إِحْدَاهُنَّ بَعْدَ طَلَاقِ زَوْجِهَا لَهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، ثُمَّ تَتَزَوَّجَ إِنَّ شَاءَتْ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْأَمَةَ إِذَا طُلِّقَتْ، فَإِنَّهَا تُعْتَدُّ عِنْدَهُمْ بقرأين لأنها على نصف مِنَ الْحُرَّةِ، وَالْقُرْءُ لَا يَتَبَعَّضُ فَكُمِّلَ لَهَا قرآن، ولما رواه ابن جرير عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَكِنْ مُظَاهِرٌ هَذَا ضَعِيفٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالُوا: وَلَمْ يُعْرَفْ بين الصحابة


(١) البيت الأول منسوب لأم الحجاج بن يوسف في تاج العروس (زعزع) وهو بلا نسبة في لسان العرب (أسس، زعع، وصل، وجه) . والبيت الثاني بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠/ ٣٣٣ ورصف المباني ص ٢٤١ وسر صناعة الإعراب ص ٣٩٤ وشرح شواهد المغني ص ٦٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>