للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٥] وعن مجاهد أيضا الصلصال المنتن، وتفسير الآية بالآية أولى. قوله: ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ أي الصلصال من حمأ، وهو الطين. والمسنون: الأملس، كما قال الشاعر:

[الخفيف] ثم خاصرتها إلى القبّة الخضراء … تمشي في مرمر مسنون (١)

أي أملس صقيل، ولهذا روي عن ابن عباس أنه قال: هو التراب الرطب، وعن ابن عباس ومجاهد أيضا والضحاك: أن الحمأ المسنون هو المنتن. وقيل: المراد بالمسنون هاهنا المصبوب. وقوله: ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل الإنسان ﴿مِنْ نارِ السَّمُومِ﴾ قال ابن عباس: هي السموم التي تقتل، وقال بعضهم: السموم بالليل والنهار، ومنهم من يقول:

السموم بالليل والحرور بالنهار. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال:

دخلت على عمر الأصم أعوده، فقال: ألا أحدثك حديثا سمعته من عبد الله بن مسعود، يقول هذه السموم جزء من سبعين جزءا من السموم التي خلق منها الجان، ثم قرأ ﴿وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ﴾.

وعن ابن عباس: أن الجان خلق من لهب النار، وفي رواية: من أحسن النار. وعن عمرو بن دينار: من نار الشمس. وقد ورد في الصحيح «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» (٢). والمقصود من الآية التنبيه على شرف آدم وطيب عنصره وطهارة محتده.

[[سورة الحجر (١٥): الآيات ٢٨ إلى ٣٣]]

﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣)

يذكر تعالى تنويهه بذكر آدم في ملائكة قبل خلقه وتشريفه إياه بأمر الملائكة بالسجود له، ويذكر تخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة حسدا وكفرا وعنادا واستكبارا وافتخارا بالباطل، ولهذا قال: ﴿لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ كقوله ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] وقوله: ﴿أَرَأَيْتَكَ هذَا﴾


(١) البيت لأبي دهبل الجمحي في ديوانه ص ٧٠، ولسان العرب (خصر)، (سنن)، والتنبيه والإيضاح ٢/ ١٥٥، ولعبد الرحمن بن حسان في أساس البلاغة (خصر)، وتهذيب اللغة ٧/ ١٢٧، وتاج العروس (سنن)، ولأبي العيال أو لعبد الرحمن بن حسان في لسان العرب (سنن)، والكامل ص ٣٨٨، وجمهرة اللغة ص ٥٨٦، وكتاب العين ٤/ ١٨٣، وتاج العروس (خصر)، ومقاييس اللغة ٢/ ١٨٩.
(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٠، وأحمد في المسند ٦/ ١٥٣، ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>