للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ فهذه وهذه دالتان على أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض، وقد توقف في ذلك القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها﴾.

﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها. وَالْجِبالَ أَرْساها﴾ قالوا: فذكر خلق السماء قبل الأرض، وفي صحيح البخاري أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه فأجاب بأن الأرض خلقت قبل السماء وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديما وحديثا، وقد حررنا ذلك في سورة النازعات وحاصل ذلك أن الدحي مفسر بقوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها﴾.

﴿وَالْجِبالَ أَرْساها﴾ ففسر الدحي بأخرج ما كان مودعا فيها بالقوة إلى الفعل لما أكملت صورة المخلوقات الأرضية ثم السماوية دحى بعد ذلك الأرض فأخرجت ما كان مودعا فيها من المياه فنبتت النباتات على اختلاف أصنافها وصفاتها وألوانها وأشكالها، وكذلك جرت هذه الأفلاك فدارت بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارة، والله أعلم. وقد ذكر ابن أبي حاتم وابن مردويه في تفسير هذه الآية الحديث الذي رواه مسلم والنسائي في التفسير أيضا من رواية ابن جريج، قال: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سملة عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله بيدي فقال: «خلق الله التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة من آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم (١)، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة، فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي.

[[سورة البقرة (٢): آية ٣٠]]

﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)

يخبر تعالى بامتنانه على بني أدم بتنويهه بذكرهم في الملأ الأعلى قبل إيجادهم، فقال تعالى:

﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ﴾ أي واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة واقصص على قومك ذلك.

وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية وهو أبو عبيدة أنه زعم أن «إذ» هاهنا زائدة وأن تقدير


(١) صحيح مسلم (منافقين حديث ٢٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>