فأكون أول من يفيق فإذا موسى ممسك بجانب العرش فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله ﷿» (١) أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به.
وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ﵀ أن الذي لطم اليهودي في هذه القضية هو أبو بكر الصديق ﵁، ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار وهذا هو أصح وأصرح والله أعلم والكلام في قوله ﵇:«لا تخيروني على موسى» كالكلام على قوله «لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى» قيل من باب التواضع وقيل قبل أن يعلم بذلك، وقيل نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب وقيل على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي والله أعلم.
وقوله «فإن الناس يصعقون يوم القيامة» الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة يحصل أمر يصعقون منه والله أعلم به. وقد يكون ذلك إذا جاء الرب ﵎ لفصل القضاء وتجلى للخلائق الملك الديان كما صعق موسى من تجلي الرب ﵎ ولهذا قال ﵇«فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور».
وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه الشفاء بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق، حدثنا قتادة حدثنا الحسن عن قتادة عن يحيى بن وثاب عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:«لما تجلى الله لموسى ﵇ كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ» ثم قال: ولا يبعد على هذا أن يختص نبينا بما ذكرناه من هذا الباب بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى انتهى ما قاله وكأنه صحح هذا الحديث، وفي صحته نظر ولا تخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله حتى ينتهي إلى منتهاه والله أعلم.
يذكر تعالى أنه خاطب موسى بأنه اصطفاه على أهل زمانه برسالاته تعالى وبكلامه ولا شك أن محمدا ﷺ سيد ولد آدم من الأولين والآخرين ولهذا اختصه الله تعالى بأن جعله خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تستمر شريعته إلى قيام الساعة وأتباعه أكثر من أتباع سائر الأنبياء والمرسلين كلهم وبعده في الشرف والفضل إبراهيم الخليل ﵇ ثم موسى بن عمران كليم الرحمن ﵇ ولهذا قال الله تعالى له: ﴿فَخُذْ ما آتَيْتُكَ﴾ أي من الكلام والمناجاة
(١) أخرجه البخاري في الخصومات باب ١، وتفسير سورة ٧، باب ٢، والديات باب ٣٢، والرقاق باب ٤٣، والتوحيد باب ٢٢، ومسلم في الفضائل حديث ١٦٠.