للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿اِصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٣ - ١٦].

[[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٥٦ إلى ٦٠]]

﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠)

هذا أمر من الله تعالى المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم، ولهذا قال تعالى: ﴿يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ﴾ قال الإمام أحمد (١): حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية بن الوليد، حدثني جبير بن عمرو القرشي، حدثني أبو سعد الأنصاري عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله :

«البلاد بلاد الله، والعباد عباد الله، فحيثما أصبت خيرا فأقم» ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزلين هناك: أصحمة النجاشي ملك الحبشة رحمه الله تعالى، فآواهم وأيدهم بنصره، وجعلهم سيوما ببلاده (٢)، ثم بعد ذلك هاجر رسول الله والصحابة الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة.

ثم قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ أي أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله، فهو خير لكم، فإن الموت لا بد منه ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب ولهذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ أي لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن، يصرفونها ويجرونها حيث شاؤوا ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ أي ماكثين فيها أبدا لا يبغون عنها حولا ﴿نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ﴾ نعمت هذه الغرف أجرا على أعمال المؤمنين ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ أي على دينهم. وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء، وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده وتصديق موعوده.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي، أخبرنا صفوان المؤذن، أخبرنا الوليد بن مسلم، أخبرنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام عن جده أبي سلام الأسود، حدثني أبو معاوية الأشعري أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله ، حدثه أن في الجنة غرفا يرى


(١) المسند ١/ ١٦٦.
(٢) جعلهم سيوما ببلاده: أي جعلهم آمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>