للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قتادة: ﴿تَرَبَّصْتُمْ﴾ بالحق وأهله ﴿وَارْتَبْتُمْ﴾ أي بالبعث بعد الموت ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ﴾ أي قلتم سيغفر لنا وقيل غرتكم الدنيا ﴿حَتّى جاءَ أَمْرُ اللهِ﴾ أي ما زلتم في هذا حتى جاءكم الموت ﴿وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ﴾ أي الشيطان قال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار: ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين أنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا، قال مجاهد: كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا ويعطون النور جميعا يوم القيامة، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ.

وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول، وهو أصدق القائلين ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتّى أَتانَا الْيَقِينُ﴾ [المدثر: ٣٨ - ٤٧] فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ. ثم قال تعالى: ﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ [المدثر: ٤٨] كما قال تعالى هاهنا ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهبا ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه. وقوله تعالى: ﴿مَأْواكُمُ النّارُ﴾ أي هي مصيركم وإليها منقلبكم، وقوله تعالى: ﴿هِيَ مَوْلاكُمْ﴾ أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير.

[[سورة الحديد (٥٧): الآيات ١٦ إلى ١٧]]

﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)

يقول تعالى: أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه. قال عبد الله بن المبارك: حدثنا صالح المري عن قتادة عن ابن عباس أنه قال: إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ﴾ الآية، رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح عن حسين المروزي عن ابن المبارك به.

ثم قال هو ومسلم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، يعني الليثي، عن عون بن عبد الله عن أبيه عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>