للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير في هذه الآية، أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السر إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم (١). وقال السدي: إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم، وقال أيضا: كانوا يسمعون من النبي الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين، وقال عبد الرحمن بن زيد: نهاكم أن تخونوا الله والرسول كما صنع المنافقون (٢).

وقوله ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾، أي اختبار وامتحان منه لكم إذ أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها أو تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه كما قال تعالى:

﴿إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ [التغابن: ١٥] وقال ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥]. وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ﴾ [المنافقون: ٩]. وقال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: ١٤] الآية.

وقوله ﴿وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي ثوابه وعطاؤه وجناته خير لكم من الأموال والأولاد، فإنه قد يوجد منهم عدو، وأكثرهم لا يغني عنك شيئا، والله سبحانه هو المتصرف المالك للدنيا والآخرة ولديه الثواب الجزيل يوم القيامة. وفي الأثر يقول الله تعالى: يا ابن آدم، اطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء، وفي الصحيح عن رسول الله أنه قال «ثلاث من كن فيه، وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه» (٣)، بل حب رسول الله مقدم على الأولاد والأموال والنفوس، كما ثبت في الصحيح أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين» (٤).

[[سورة الأنفال (٨): آية ٢٩]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)

قال ابن عباس والسدي ومجاهد وعكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل بن حيان وغير واحد ﴿فُرْقاناً﴾ مخرجا، زاد مجاهد في الدنيا والآخرة، وفي رواية عن ابن عباس ﴿فُرْقاناً﴾ نجاة، وفي رواية عنه نصرا، وقال محمد بن إسحاق ﴿فُرْقاناً﴾ أي فصلا بين الحق والباطل وهذا


(١) تفسير الطبري ٦/ ٢٢١.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٢٢٠.
(٣) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٩، والأدب باب ٤٢، ومسلم في الإيمان حديث ٦٦.
(٤) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٨، ومسلم في الإيمان حديث ٦٩، ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>