للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا همة في العمل ﴿وَلا يُنْفِقُونَ﴾ نفقة ﴿إِلاّ وَهُمْ كارِهُونَ﴾ وقد أخبر الصادق المصدوق أن الله لا يمل حتى تملوا وأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. فلهذا لا يقبل الله من هؤلاء نفقة ولا عملا لأنه إنما يتقبل من المتقين.

[[سورة التوبة (٩): آية ٥٥]]

﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥)

يقول تعالى لرسوله ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾ [طه:١٣١] وقال ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦].

وقوله ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ قال الحسن البصري بزكاتها والنفقة منها في سبيل الله (١)، وقال قتادة: هذا من المقدم والمؤخر تقديره: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة (٢). واختار ابن جرير قول الحسن، وهو القول القوي الحسن، وقوله ﴿وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ﴾ أي ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم. عياذا بالله من ذلك وهذا يكون من باب الاستدراج لهم فيما هم فيه.

[[سورة التوبة (٩): الآيات ٥٦ إلى ٥٧]]

﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)

يخبر الله تعالى نبيه عن جزعهم وفزعهم وفرقهم وهلعهم أنهم ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ﴾ يمينا مؤكدة ﴿وَما هُمْ مِنْكُمْ﴾ أي في نفس الأمر ﴿وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ أي فهو الذي حملهم على الحلف ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً﴾ أي حصنا يتحصنون به وحرزا يتحرزون به ﴿أَوْ مَغاراتٍ﴾ وهي التي في الجبال ﴿أَوْ مُدَّخَلاً﴾ وهو السرب في الأرض والنفق قال ذلك في الثلاثة ابن عباس ومجاهد وقتادة ﴿لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ أي يسرعون في ذهابهم عنكم لأنهم إنما يخالطونكم كرها لا محبة وودوا أنهم لا يخالطونكم ولكن للضرورة أحكام ولهذا لا يزالون في هم وحزن وغم لأن الإسلام وأهله لا يزال في عز ونصر ورفعة، فلهذا كلما سر المسلمون ساءهم ذلك فهم يودون أن لا يخالطوا المؤمنين ولهذا قال ﴿لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾.


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٣٩١.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>