كل حكمة، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان ابن زفر الجهني، عن أبي عمار الأسدي، عن ابن مسعود مرفوعا «رأس الحكمة مخافة الله» وقال أبو العالية في رواية عنه:
الحكمة الكتاب والفهم، وقال إبراهيم النخعي، الحكمة الفهم، وقال أبو مالك: الحكمة السنة، وقال ابن وهب، عن مالك، قال زيد بن أسلم: الحكمة العقل، قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه، عالما بأمر دينه بصيرا به، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة الفقه في دين الله، وقال السدي: الحكمة النبوة.
والصحيح أن الحكمة كما قال الجمهور: لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع، كما جاء في الأحاديث «من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه» رواه وكيع بن الجراح في تفسيره، عن إسماعيل بن رافع، عن رجل لم يسمه، عن عبد الله بن عمر-قوله: وقال الإمام أحمد (١): حدثنا وكيع ويزيد، قالا: حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم، عن ابن مسعود، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها» وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة من طرق متعددة عن إسماعيل بن أبي خالد به.
وقوله: ﴿وَما يَذَّكَّرُ إِلاّ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ أي وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل، يعي به الخطاب ومعنى الكلام.
يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه ورجاء موعوده، وتوعد من لا يعمل بطاعته، بل خالف أمره، وكذب خبره، وعبد معه غيره، فقال ﴿وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ﴾ أي يوم القيامة ينقذونهم من عذاب الله ونقمته.
وقوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ﴾ أي إن أظهرتموها فنعم شيء هي. وقوله: ﴿وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه