للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ٨٥ إلى ٨٨]]

﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨)

قال ابن عباس ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ يعني بالسبب المنزل، وقال مجاهد ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ منزلا وطريقا ما بين المشرق والمغرب، وفي رواية عن مجاهد ﴿سَبَباً﴾ قال: طريقا في الأرض وقال قتادة: أي اتبع منازل الأرض ومعالمها، وقال الضحاك ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ أي المنازل، وقال سعيد بن جبير في قوله: ﴿فَأَتْبَعَ سَبَباً﴾ قال: علما، وهكذا قال عكرمة وعبيد بن يعلى والسدي، وقال مطر: معالم وآثار كانت قبل ذلك.

وقوله: ﴿حَتّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ أي فسلك طريقا حتى وصل إلى أقصى ما يسلك فيه من الأرض من ناحية المغرب وهو مغرب الأرض، وأما الوصول إلى مغرب الشمس من السماء فمتعذر، وما يذكره أصحاب القصص والأخبار من أنه سار في الأرض مدة، والشمس تغرب من ورائه، فشيء لا حقيقة له، وأكثر ذلك من خرافات أهل الكتاب واختلاف زنادقتهم وكذبهم، وقوله: ﴿وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾ أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه، والحمئة مشتقة على إحدى القراءتين من الحمأة وهو الطين، كما قال تعالى: ﴿إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٨] أي طين أملس، وقد تقدم بيانه.

وقال ابن جرير (١): حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، أنبأنا نافع بن أبي نعيم، سمعت عبد الرحمن الأعرج يقول: كان ابن عباس يقول في عين حمئة ثم فسرها ذات حمئة، قال نافع: وسئل عنها كعب الأحبار، فقال: أنتم أعلم بالقرآن مني، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء، وكذا روى غير واحد عن ابن عباس، وبه قال مجاهد وغير واحد. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا محمد بن دينار عن سعد بن أوس عن مصدع، عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن النبي أقرأه حمئة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وجدها تغرب في عين حامية، يعني حارة، وكذا قال الحسن البصري. وقال ابن جرير: والصواب أنهما قراءتان مشهورتان وأيهما قرأ القارئ فهو مصيب، قلت: ولا منافاة بين معنييهما إذ قد تكون حارة لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها وملاقاتها الشعاع بلا حائل، وحمئة في ماء وطين أسود، كما قال كعب الأحبار وغيره.

وقال ابن جرير (٢): حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام حدثني مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله قال نظر رسول الله إلى الشمس حين غابت فقال: «في


(١) تفسير الطبري ٨/ ٢٧٤.
(٢) تفسير الطبري ٨/ ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>