يقولون ﴿يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ﴾ ما نفهم ﴿كَثِيراً﴾ من قولك ﴿وَإِنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً﴾ قال سعيد بن جبير والثوري وكان ضرير البصر، وقال الثوري كان يقال له خطيب الأنبياء، قال السدي ﴿وَإِنّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً﴾ قال: أنت واحد، وقال أبو روق: يعنون ذليلا لأن عشيرتك ليسوا على دينك ﴿وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ﴾ أي قومك لولا معزتهم علينا لرجمناك قيل بالحجارة وقيل لسببناك ﴿وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ﴾ أي ليس عندنا لك معزة ﴿قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ﴾ يقول: أتتركوني لأجل قومي ولا تتركوني إعظاما لجناب الرب ﵎ أن تنالوا نبيه بمساءة وقد اتخذتم كتاب الله ﴿وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ أي نبذتموه خلفكم لا تطيعونه ولا تعظمونه ﴿إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ أي هو يعلم جميع أعمالكم وسيجزيكم بها.
لما يئس نبي الله شعيب من استجابتهم له قال يا قوم ﴿اِعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ﴾ أي طريقتكم وهذا تهديد شديد ﴿إِنِّي عامِلٌ﴾ على طريقتي ﴿سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ﴾ أي مني ومنكم ﴿وَارْتَقِبُوا﴾ أي انتظروا ﴿إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ قال الله تعالى: ﴿وَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ وقوله جاثمين أي هامدين لا حراك بهم. وذكر هاهنا أنه أتتهم صيحة، وفي الأعراف رجفة وفي الشعراء عذاب يوم الظلة وهم أمة واحدة اجتمع عليهم يوم عذابهم هذه النقم كلها، وإنما ذكر في كل سياق ما يناسبه ففي الأعراف لما قالوا ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا﴾ [الأعراف: ٨٨] ناسب أن يذكر الرجفة الرجفة فرجفت بهم الأرض التي ظلموا بها وأرادوا إخراج نبيهم منها.
وهاهنا لما أساؤوا الأدب في مقالتهم على نبيهم ذكر الصيحة التي استلبثتهم وأخمدتهم، وفي الشعراء لما قالوا ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٧] قال ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٨٩] وهذا من الأسرار الدقيقة ولله الحمد والمنة كثيرا دائما، وقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها﴾ أي يعيشوا في دارهم قبل ذلك ﴿أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ وكانوا جيرانهم قريبا منهم في الدار وشبيها بهم في الكفر وقطع الطريق وكانوا عربا مثلهم.