للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الله ﷿، من أجل ذلك مدح نفسه، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين» (١)، وفي لفظ آخر «من أجل ذلك أرسل رسله وأنزل كتبه».

[[سورة النساء (٤): الآيات ١٦٦ إلى ١٧٠]]

﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)

لما تضمن قوله تعالى: ﴿إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٣] إلى آخر السياق، إثبات نبوته والرد على من أنكر نبوته من المشركين وأهل الكتاب، قال الله تعالى: ﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ﴾ أي وإن كفر به من كفر به ممن كذبك وخالفك، فالله يشهد لك بأنك رسول الذي أنزل عليه الكتاب وهو القرآن العظيم الذي ﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢]، ولهذا قال: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ أي في علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل، وما فيه من ذكر صفاته تعالى المقدسة التي لا يعلمها نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا أن يعلمه الله به، كما قال تعالى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِما شاءَ﴾ [البقرة: ٢٥٥] وقال: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ [طه: ١١٠].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسن بن سهيل الجعفري عبد الله بن المبارك، قالا: حدثنا عمران بن عيينة، حدثنا عطاء بن السائب، قال: أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي القرآن، وكان إذا قرأ عليه أحدنا القرآن قال: قد أخذت علم الله، فليس أحد اليوم أفضل منك إلا بعمل، ثم يقرأ قوله: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾، قوله: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾ أي بصدق ما جاءك وأوحى إليك وأنزل عليك مع شهادة الله تعالى بذلك ﴿وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً﴾ قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: دخل على رسول الله جماعة من اليهود، فقال لهم: «إني لأعلم والله إنكم لتعلمون أني رسول الله» فقالوا: ما نعلم ذلك. فأنزل الله ﷿ ﴿لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ الآية (٢).

وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً﴾ أي كفروا في


(١) صحيح البخاري (تفسير سورة الأنعام باب ٧) وصحيح مسلم (توبة حديث ٣٢ - ٣٦)
(٢) تفسير الطبري ٤/ ٣٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>