للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيِّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ الْحَضْرَمِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ مِشْرَحَ بْنَ هَاعَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عِتْرٍ يَقُولُ: صَدَرْنَا مِنَ الْحَجِّ مَعَ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَانُ رضي الله عنه محصور بالمدينة، فَكَانَتْ تَسْأَلُ عَنْهُ مَا فَعَلَ؟ حَتَّى رَأَتْ رَاكِبَيْنِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمَا تَسْأَلُهُمَا فَقَالَا: قُتِلَ، فَقَالَتْ حفصة: والذي نفسي بيده إنها القرية- تعني المدينة- التي قال الله تَعَالَى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ قال ابن شُرَيْحٍ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَمَّنْ حدثه أنه كان يقول إنها المدينة.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١١٤ الى ١١٧]

فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧)

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَكْلِ رِزْقِهِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ وَبِشُكْرِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ بِهِ ابْتِدَاءً الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، ثم ذكر تعالى مَا حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ مِمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ لَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ أَيْ ذُبِحَ عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَمَعَ هَذَا فَمَنِ اضْطُرَّ إليه أي احتاج من غَيْرِ بَغْيٍّ وَلَا عُدْوَانٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَثَلِ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عن إعادته، ولله الحمد.

ثُمَّ نَهَى تَعَالَى عَنْ سُلُوكِ سَبِيلِ الْمُشْرِكِينَ الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه وَاصْطَلَحُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ بِآرَائِهِمْ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالَحَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا كَانَ شَرْعًا لَهُمُ ابْتَدَعُوهُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَقَالَ: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً لَيْسَ لَهُ فِيهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ، أَوْ حَلَّلَ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، أَوْ حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه، وما في قوله: لِما تَصِفُ مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ وَلَا تَقُولُوا الْكَذِبَ لِوَصْفِ أَلْسِنَتِكُمْ، ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَتَاعٌ قَلِيلٌ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، كَمَا قَالَ: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ [لُقْمَانَ: ٢٤] وَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ [يُونُسَ: ٦٩- ٧٠] .


(١) تفسير الطبري ٧/ ٦٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>