للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ لَكِنَّهُ كَانَ طَاوِيًا إِلَى فِرْعَوْنَ مُتَّصِلًا بِهِ مُتَعَلِّقًا بِحِبَالِهِ وَمَنْ قَالَ إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ وَمَلَئِهِمْ عَائِدٌ إِلَى فِرْعَوْنَ وَعِظَمِ الْمُلْكِ مِنْ أَجْلِ اتِّبَاعِهِ أَوْ بِحَذْفِ آلِ فِرْعَوْنَ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فَقَدْ أَبْعَدَ وَإِنْ كَانَ ابْنُ جَرِيرٍ قَدْ حكاه عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، قوله تعالى:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٤ الى ٨٦]

وَقالَ مُوسى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦)

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ لبني إسرائيل: يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ كَافٍ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزُّمَرِ: ٣٦] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: ٣] وكثيرا ما يقرن الله تعالى بين العبادة والتوكل كقوله تَعَالَى: فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ [هُودٍ: ١٢٣] قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا [الْمُلْكِ:

٢٩] رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [الْمُزَّمِّلِ: ٩] وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي كُلِّ صَلَوَاتِهِمْ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الْفَاتِحَةِ: ٥] .

وَقَدِ امْتَثَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ فَقَالُوا: عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أَيْ لَا تُظْفِرْهُمْ بِنَا وَتُسَلِّطْهُمْ عَلَيْنَا فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ إِنَّمَا سُلِّطُوا لِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَنَحْنُ عَلَى الْبَاطِلِ فَيُفْتَنُوا بِذَلِكَ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وأبي الضحى «١» ، وقال ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد لا تعذبنا بأيدي آل فِرْعَوْنَ وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِكَ فَيَقُولُ قَوْمُ فِرْعَوْنَ لَوْ كَانُوا عَلَى حَقٍّ مَا عُذِّبُوا وَلَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ فَيُفْتَنُوا «٢» بِنَا وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ لا تسلطهم علينا فيفتنونا «٣» . وقوله: وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ أَيْ خَلِّصْنَا بِرَحْمَةٍ مِنْكَ وَإِحْسَانٍ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أَيْ الَّذِينَ كَفَرُوا الْحَقَّ وَسَتَرُوهُ وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا بِكَ وَتَوَكَّلْنَا عَلَيْكَ.

[[سورة يونس (١٠) : آية ٨٧]]

وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧)

يَذْكُرُ تَعَالَى سَبَبَ إِنْجَائِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَكَيْفِيَّةِ خَلَاصِهِمْ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى وأخاه هارون عليهما السلام أن يتبوآ أَيْ يَتَّخِذَا لِقَوْمِهِمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا، وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً فقال الثوري وغيره عن خصيف عن


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥٩٤، ٥٩٥.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٥٩٥.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٥٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>