والظاهر أن قابيل عوجل بالعقوبة، كما ذكره مجاهد وابن جبير أنه علقت ساقه بفخذه إلى يوم القيامة، وجعل الله وجهه إلى الشمس حيث دارت عقوبة له وتنكيلا به، وقد ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم» وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
يقول تعالى: من أجل قتل ابن آدم أخاه ظلما وعدوانا ﴿كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ أي شرعنا لهم وأعلمناهم ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً﴾ أي من قتل نفسا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أحياها، أي حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلّم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار، ولهذا قال ﴿فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً﴾ وقال الأعمش وغيره، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك، وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين، فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي معهم؟ قلت: لا، قال: فإنك إن قتلت رجلا واحدا فكأنما قتلت الناس جميعا فانصرف مأذونا لك مأجورا غير مأزور، قال: فانصرفت ولم أقاتل، وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً﴾ وإحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله، فذلك الذي أحيا الناس جميعا يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه، وهكذا قال مجاهد: ومن أحياها، أي كف عن قتلها (١).