للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعليم العلم بأجرة، فإن كان قد تعين عليه فلا يجوز أن يأخذ عليه أجرة، ويجوز أن يتناول من بيت المال ما يقوم به حاله وعياله بأجرة، فإن لم يحصل له منه شيء وقطعه التعليم عن التكسب، فهو كما لم يتعين عليه، وإذا لم يتعين عليه فإنه يجوز أن يأخذ عليه أجرة عند مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء كما في صحيح البخاري عن أبي سعيد في قصة اللديغ «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» (١) وقوله في قصة المخطوبة «زوّجتكها بما معك من القرآن» (٢) فأما حديث عبادة بن الصامت، أنه علم رجلا من أهل الصفة (٣) شيئا من القرآن فأهدى له قوسا فسأل عنه رسول الله فقال «إن أحببت أن تطوق بقوس من نار فاقبله» فتركه، رواه أبو داود. وروي مثله عن أبي ابن كعب مرفوعا، فإن صح إسناده فهو محمول عند كثير من العلماء منهم: أبو عمر بن عبد البر، على أنه لما علمه لله لم يجز بعد هذا أن يعتاض عن ثواب الله بذلك القوس، فأما إذا كان من أول الأمر على التعليم بالأجرة فإنه يصح كما في حديث اللديغ وحديث سهل في المخطوبة، والله أعلم. وقوله ﴿وَإِيّايَ فَاتَّقُونِ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عمر الدوري، حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن عاصم الأحول عن أبي العالية عن طلق بن حبيب، قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، ومعنى قول ﴿وَإِيّايَ فَاتَّقُونِ﴾ أنه تعالى يتوعدهم فيما يتعمدونه من كتمان الحق وإظهار خلافه ومخالفتهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٤٢ إلى ٤٣]]

﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤٢) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاِرْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ (٤٣)

يقول تعالى ناهيا لليهود عما كانوا يتعمدونه من تلبيس الحق بالباطل، وتمويهه به، وكتمانهم الحق، وإظهارهم الباطل: ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ فنهاهم عن الشيئين معا، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به، ولهذا قال الضحاك عن ابن عباس ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ﴾: لا تخلطوا الحق بالباطل، والصدق بالكذب. وقال أبو العالية-ولا تلبسوا الحق بالباطل-يقول: ولا تخلطوا الحق بالباطل، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد ويروى عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس نحوه وقال قتادة ﴿وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ﴾ ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، وأنتم تعلمون أن دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله. وروي عن الحسن البصري نحو ذلك. وقال محمد بن إسحاق:


(١) البخاري (إجارة باب ١٦)
(٢) أخرجه البخاري (فضائل القرآن باب ٢١؛ ونكاح باب ٢٧، ٤٠). وأبو داود (نكاح باب ١٧) والترمذي (نكاح باب ٢٣) والدارمي (نكاح باب ١٩)
(٣) أهل الصفّة: هم فقراء المهاجرين ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه فكانوا يأوون إلى موضع مظلّل في مسجد المدينة يسكنونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>