يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض والحاكم فيهما في الدنيا والآخرة، ولهذا قال ﷿: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ﴾ أي يوم القيامة ﴿يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ﴾ وهم الكافرون بالله الجاحدون بما أنزله على رسله من الآيات البينات والدلائل الواضحات.
وقال ابن أبي حاتم: قدم سفيان الثوري المدينة فسمع المعافري يتكلم ببعض ما يضحك به الناس، فقال له: يا شيخ أما علمت أن لله تعالى يوما يخسر فيه المبطلون؟ قال: فما زالت تعرف في المعافري حتى لحق بالله تعالى، ذكره ابن أبي حاتم ثم قال تعالى: ﴿وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً﴾ أي على ركبها من الشدة والعظمة، ويقال إن هذا إذا جيء بجهنم فإنها تزفر زفرة، لا يبقى أحد إلا جثا لركبتيه، حتى إبراهيم الخليل ﵊ ويقول: نفسي نفسي نفسي! لا أسألك اليوم إلا نفسي. وحتى أن عيسى ﵊ ليقول: لا أسألك اليوم إلا نفسي لا أسألك مريم التي ولدتني! قال مجاهد وكعب الأحبار والحسن البصري ﴿كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً﴾ أي على الركب. وقال عكرمة: جاثية متميزة على ناحيتها وليس على الركب، والأول أولى.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عبد الله بن باباه أن رسول الله ﷺ قال: «كأني أراكم جاثين بالكوم (١) دون جهنم» وقال إسماعيل بن أبي رافع المديني عن محمد بن كعب عن أبي هريرة ﵁، مرفوعا في حديث الصور: فيتميز الناس وتجثو الأمم، وهي التي يقول الله تعالى: ﴿وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا﴾ وهذا فيه جمع بين القولين ولا منافاة، والله أعلم.
وقوله ﷿: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا﴾ يعني كتاب أعمالها كقوله ﷻ:
﴿وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ﴾ [الزمر: ٦٩] ولهذا قال ﷾: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي تجازون بأعمالكم خيرها وشرها كقوله ﷿: ﴿يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ﴾ [القيامة: ١٣ - ١٥] ولهذا قال جلت عظمته: ﴿هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ أي يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص كقوله ﷻ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾