للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفَ» «١» وَبِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا ظَهَرَ الْقَوْلُ وَخُزِّنَ الْعَمَلُ وَائْتَلَفَتِ الْأَلْسِنَةُ وَتَبَاغَضَتِ الْقُلُوبُ، وَقَطَعَ كُلُّ ذِي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم» والأحاديث في هذا كثيرة، والله أعلم.

[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٤ الى ٢٨]

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨)

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بِتَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ وَنَاهِيًا عَنِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ فَقَالَ: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها أَيْ بَلْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا، فَهِيَ مُطْبَقَةٌ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ مَعَانِيهِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عن أبيه رضي الله عنه قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها فَقَالَ شَابٌّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يَفْتَحُهَا أَوْ يُفَرِّجُهَا، فَمَا زَالَ الشَّابُّ فِي نَفْسِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى وَلِيَ فَاسْتَعَانَ بِهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ أَيْ فَارَقُوا الْإِيمَانَ وَرَجَعُوا إِلَى الْكُفْرِ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ أَيْ زَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَحَسَّنَهُ وَأَمْلى لَهُمْ أَيْ غَرَّهُمْ وَخَدَعَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ أي مالؤوهم وَنَاصَحُوهُمْ فِي الْبَاطِنِ عَلَى الْبَاطِلِ وَهَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرُونَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ. وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ أَيْ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُخْفُونَ، اللَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وعالم به كقوله تبارك وتعالى: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [النِّسَاءِ: ٨١] .

ثُمَّ قَالَ تعالى: فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ أَيْ كَيْفَ حَالُهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ وَتَعَصَّتِ الْأَرْوَاحُ فِي أَجْسَادِهِمْ وَاسْتَخْرَجَتْهَا الْمَلَائِكَةُ بالعنف والقهر والضرب، كما قال سبحانه وتعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ [الأنفال: ٥٠] الآية. وقال تَعَالَى: وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام: ٩٣] أَيْ بِالضَّرْبِ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:


(١) أخرجه أحمد في المسند ٢/ ٢٩٥، ٥٢٧.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>