للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزكاة وتقى، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما، ومجانبته عقوقهما قولا وفعلا، أمرا ونهيا، ولهذا قال: ﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا﴾ ثم قال بعد هذه الأوصاف الجميلة جزاء له على ذلك ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ أي له الأمان في هذه الثلاثة الأحوال. وقال سفيان بن عيينة: أوحش ما يكون المرء في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم، قال:

فأكرم الله فيها يحيى بن زكريا فخصّه بالسلام عليه، فقال: ﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ رواه ابن جرير عن أحمد بن منصور المروزي عن صدقة بن الفضل عنه.

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: ﴿جَبّاراً عَصِيًّا﴾ قال: كان ابن المسيب يذكر قال: قال رسول الله «ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا» قال قتادة: ما أذنب ولا هم بامرأة (١)، مرسل، وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، حدثني ابن العاص أنه سمع النبي قال: «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب، إلا ما كان من يحيى بن زكريا بن إسحاق هذا مدلس، وقد عنعن هذا الحديث، فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله قال: «ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» وهذا أيضا ضعيف، لأن علي بن زيد بن جدعان له منكرات كثيرة، والله أعلم. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن الحسن قال: إن يحيى وعيسى التقيا، فقال له عيسى: استغفر لي أنت خير مني، فقال له الآخر: استغفر لي أنت خير مني، فقال له عيسى: أنت خير مني سلمت على نفسي، وسلم الله عليك فعرف والله فضلهما.

[[سورة مريم (١٩): الآيات ١٦ إلى ٢١]]

﴿وَاُذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ اِنْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحْمَةً مِنّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١)

لما ذكر تعالى قصة زكريا ، وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا، عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى منها من غير أب، فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة، ولهذا ذكرهما في آل عمران وهاهنا، وفي سورة الأنبياء يقرن


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٣١٨.
(٢) المسند ١/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>