[الغاشية: ٥] أي حارة، كما قال تعالى: ﴿وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤] ﴿وَساءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ أي وساءت النار منزلا ومقيلا ومجتمعا وموضعا للارتفاق، كما قال في الآية الأخرى ﴿إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً﴾ [الفرقان: ٦٦].
لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثنى بذكر السعداء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين فيما جاءوا به، وعملوا بما أمروهم به من الأعمال الصالحة، فلهم جنات عدن، والعدن: الإقامة، ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ أي من تحت غرفهم ومنازلهم، قال فرعون ﴿وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١] الآية، ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ أي من الحلية ﴿فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ وقال في المكان الآخر ﴿وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ﴾ [فاطر: ٣٣] وفصله هاهنا، فقال ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ فالسندس ثياب رفاع رقاق كالقمصان وما جرى مجراها. وأما الإستبرق فغليظ الديباج وفيه بريق.
وقوله: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ﴾ الاتكاء قيل الاضطجاع، وقيل التربع في الجلوس وهو أشبه بالمراد هاهنا، ومنه الحديث الصحيح «أما أنا فلا آكل متكئا»(١)، فيه القولان:
والأرائك جمع أريكة، وهي السرير تحت الحجلة، والحجلة كما يعرفه الناس في زماننا هذا بالباشخاناه، والله أعلم. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة ﴿عَلَى الْأَرائِكِ﴾ قال: هي الحجال، قال معمر وقال غيره: السرر في الحجال.
وقوله: ﴿نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً﴾ أي نعمت الجنة ثوابا على أعمالهم وحسنت مرتفقا، أي حسنت منزلا ومقيلا ومقاما، كما قال في النار ﴿بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ وهكذا قابل بينهما في سورة الفرقان في قوله: ﴿إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً﴾ [الفرقان: ٦٦]، ثم ذكر صفات المؤمنين، فقال ﴿أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً﴾ [الفرقان: ٧٥ - ٧٦].
(١) أخرجه البخاري في الأطعمة باب ١٣، وأبو داود في الأطعمة باب ١٦، والترمذي في الأطعمة باب ٢٨، وابن ماجة في الأطعمة باب ٦، والدارمي في الأطعمة باب ٣١، وأحمد في المسند ٤/ ٣٠٨، ٣٠٩