للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أنزل الله علي أمانين لأمتي ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة».

ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد (١) في مسنده والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد أن رسول الله قال «إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني». ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا رشدين هو ابن سعد حدثني معاوية بن سعد التجيبي عمن حدثه عن فضالة بن عبيد عن النبي أنه قال «العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ﷿».

[[سورة الأنفال (٨): الآيات ٣٤ إلى ٣٥]]

﴿وَما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)

يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم، ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول بين أظهرهم، ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر، فقتل صناديدهم وأسر سراتهم وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد.

وقال قتادة والسدي وغيرهما: لم يكن القوم يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون لما عذبوا (٣).

واختاره ابن جرير، فلولا ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين لوقع بهم البأس الذي لا يرد، ولكن دفع عنهم بسبب أولئك، كما قال تعالى في يوم الحديبية ﴿هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ [الفتح: ٢٥].

قال ابن جرير (٤): حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال: كان النبي بمكة فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾، قال: فخرج النبي إلى المدينة فأنزل الله ﴿وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، قال: وكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها مستضعفين، يعني بمكة ﴿يَسْتَغْفِرُونَ﴾ فلما خرجوا أنزل الله


(١) المسند ٣/ ٢٩، ٤١، ٧٦.
(٢) المسند ٦/ ٢٠.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٢٣٥.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>