وهم كفار بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم ولا تستطيع هدايتهم ﴿إِنْ أَنْتَ إِلاّ نَذِيرٌ﴾ أي إنما عليك البلاغ والإنذار، والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ﴿إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ أي بشيرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين، ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ﴾ أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر، وأزاح عنهم العلل، كما قال تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ [الرعد: ٧] وكما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ [النحل: ٣٦] الآية، والآيات في هذا كثيرة.
وقوله ﵎: ﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ﴾ وهي المعجزات الباهرات والأدلة القاطعات ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ وهي الكتب ﴿وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ﴾ أي الواضح البين ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي ومع هذا كله كذب أولئك رسلهم فيما جاءوهم به، فأخذتهم أي بالعقاب والنكال ﴿فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ﴾ أي فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيما شديدا بليغا، والله أعلم.
يقول تعالى منبها على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد، وهو الماء الذي ينزله من السماء، يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض إلى غير ذلك من ألوان الثمار، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الرعد: ٤].
وقوله ﵎: ﴿وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها﴾ أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان، كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق وهي الجدد جمع جدة، مختلفة الألوان أيضا قال ابن عباس ﵄: الجدد الطرائق، وكذا قال أبو مالك والحسن وقتادة والسدي، ومنها غرابيب سود. قال عكرمة: الغرابيب الجبال الطوال السود، وكذا قال أبو مالك وعطاء الخراساني وقتادة: وقال ابن جرير (١): والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد قالوا: أسود غربيب، ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية: هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى: ﴿وَغَرابِيبُ سُودٌ﴾ أي سود غرابيب، وفيما قاله نظر.