هذه آيات أدب الله تعالى بها عباده المؤمنين، فيما يعاملون به الرسول ﷺ من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام، فقال ﵎: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي لا تسارعوا في الأشياء بين يديه أي قبله، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ ﵁ حيث قال له النبي ﷺ حين بعثه إلى اليمن:«بم تحكم؟» قال: بكتاب الله تعالى، قال ﷺ:«فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله ﷺ، قال ﷺ:«فإن لم تجد؟» قال ﵁: أجتهد رأيي، فضرب في صدره وقال «الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله ﷺ لما يرضي رسول الله ﷺ». وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة، ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﵄ ﴿لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وقال العوفي عنه: نهى أن يتكلموا بين يدي كلامه، وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله ﷺ بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه، وقال الضحاك:
لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم، وقال سفيان الثوري ﴿لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ بقول ولا فعل، وقال الحسن البصري ﴿لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ قال:
لا تدعوا قبل الإمام، وقال قتادة: ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا كذا وكذا، لو صنع كذا، فكره الله تعالى ذلك وتقدم فيه ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أي فيما أمركم به ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ أي لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم.
وقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ هذا أدب ثان أدب الله تعالى به المؤمنين أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي ﷺ فوق صوته، وقد روي أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر ﵄.