للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن نصر المروزي: حدثنا محمد بن مقاتل المروزي، حدثنا ابن المبارك، أنبأنا ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرّحمن بن جبير بن نفير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا: قال رسول الله : «أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة، وأول من يؤذن له برفع رأسه، فأنظر بين يدي فأعرف أمتي من بين الأمم وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم، فقال رجل: يا رسول الله، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم؟ قال: غر محجلون من آثار الطهور ولا يكون من الأمم كذلك غيرهم، وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم» (١).

[[سورة التحريم (٦٦): الآيات ٩ إلى ١٠]]

﴿يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاُغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ اُدْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (١٠)

يقول تعالى آمرا رسوله بجهاد الكفار والمنافقين، هؤلاء بالسلاح والقتال، وهؤلاء بإقامة الحدود عليهم ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ أي في الدنيا ﴿وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي في الآخرة ثم قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم أن ذلك لا يجدي عنهم شيئا ولا ينفعهم عند الله إن لم يكن الإيمان حاصلا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: ﴿اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ﴾ أي نبيين رسولين عندهما في صحبتهما ليلا ونهارا يؤاكلان ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط ﴿فَخانَتاهُما﴾ أي في الإيمان لم يوافقاهما على الإيمان ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجد ذلك كله شيئا ولا دفع عنهما محذورا، ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً﴾ أي لكفرهما ﴿وَقِيلَ﴾ أي للمرأتين ﴿اُدْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ﴾ وليس المراد بقوله:

﴿فَخانَتاهُما﴾ في فاحشة بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور.

قال سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتّة: سمعت ابن عباس يقول في هذه الآية ﴿فَخانَتاهُما﴾ قال: ما زنتا، أما خيانة امرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون، وأما خيانة امرأة لوط فكانت تدل قومها على أضيافه، وقال العوفي عن ابن عباس قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٥/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>