للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله «هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني» فلما أبى رسول الله أن يقبل صدقته رجع إلى منزله، فقبض رسول الله ولم يقبل منه شيئا، ثم أتى أبا بكر حين استخلف فقال قد علمت منزلتي من رسول الله وموضعي من الأنصار فاقبل صدقتي، فقال أبو بكر لم يقبلها منك رسول الله وأبى أن يقبلها، فقبض أبو بكر ولم يقبلها.

فلما ولي عمر أتاه فقال: يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي فقال: لم يقبلها رسول الله ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك؟ فقبض ولم يقبلها، فلما ولي عثمان أتاه فقال: اقبل صدقتي فقال لم يقبلها رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها منه فهلك ثعلبة في خلافة عثمان.

وقوله تعالى: ﴿بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ﴾ الآية، أي أعقبهم النفاق في قلوبهم بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم كما في الصحيحين عن رسول الله أنه قال «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان» (١) وله شواهد كثيرة، والله أعلم.

وقوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ﴾ الآية، يخبر تعالى أنه يعلم السر وأخفى، وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها فإن الله أعلم بهم من أنفسهم، لأنه تعالى علام الغيوب أي يعلم كل غيب وشهادة وكل سر ونجوى ويعلم ما ظهر وما بطن.

[[سورة التوبة (٩): آية ٧٩]]

﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩)

وهذا أيضا من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، كما روى البخاري حدثنا عبيد الله بن سعيد، حدثنا أبو النعمان البصري، حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن أبي مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا: مرائي، وجاء رجل فتصدق بصاع: فقالوا إن الله لغني عن صدقة هذا. فنزلت ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ﴾ (٢) الآية. وقد رواه مسلم أيضا في صحيحه من حديث شعبة به.

وقال الإمام أحمد (٣): حدثنا يزيد حدثنا الجريري عن أبي السليل قال: وقف علينا رجل


(١) أخرجه البخاري في الشهادات باب ٢٨، ومسلم في الإيمان حديث ١٠٧، ١٠٩.
(٢) أخرجه بلفظ «كنا نحامل»، البخاري في الزكاة باب ١٠، ومسلم في الزكاة حديث ٧٤، وأخرجه بلفظ «كنا نتحامل» البخاري في تفسير سورة ٩، باب ١١.
(٣) المسند ٥/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>