للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي يحدث ما شاء، قال ابن جرير: فمعنى الكلام سبحان الله أن يكون له ولد، وهو مالك ما في السموات والأرض تشهد له جميعها بدلالتها عليه بالوحدانية، وتقر له بالطاعة، وهو بارئها وخالقها وموجدها، من غير أصل ولا مثال احتذاها عليه، وهذا إعلام من الله لعباده، أن مما يشهد له بذلك المسيح، الذي أضافوا إلى الله بنوته، وإخبار منه لهم، أن الذي ابتدع السموات والأرض من غير أصل، وعلى غير مثال، هو الذي ابتدع المسيح عيسى، من غير والد بقدرته، وهذا من ابن جرير كلام جيد وعبارة صحيحة.

وقوله تعالى: ﴿وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [غافر: ٦٨] يبين بذلك تعالى كمال قدرته وعظيم سلطانه، وأنه إذا قدر أمرا وأراد كونه، فإنما يقول له كن، أي: مرة واحدة فيكون، أي: فيوجد، على وفق ما أراد كما قال تعالى: ﴿إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، وقال تعالى: ﴿إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠]، وقال تعالى: ﴿وَما أَمْرُنا إِلاّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [القمر: ٥٠] وقال الشاعر:

[الطويل] إذا ما أراد الله أمرا فإنما … يقول له كن قولة فيكون

ونبه بذلك أيضا، على أن خلق عيسى بكلمة كن فكان كما أمره الله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩].

[[سورة البقرة (٢): آية ١١٨]]

﴿وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (١١٨)

قال محمد بن إسحاق (١): حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: قال رافع بن حريملة لرسول الله : يا محمد إن كنت رسولا من الله كما تقول، فقل لله فيكلمنا حتى نسمع كلامه؛ فأنزل الله في ذلك من قوله: ﴿وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ﴾.

وقال مجاهد: ﴿وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ﴾، قال: النصارى تقوله، وهو اختيار ابن جرير، قال: لأن السياق فيهم. وفي ذلك نظر.

وحكى القرطبي (٢): ﴿لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللهُ﴾، أي: يخاطبنا بنبوتك يا محمد، (قلت): وهو ظاهر السياق، والله أعلم.

وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي في تفسير هذه الآية: هذا قول كفار العرب


(١) الأثر في الطبري ١/ ٥٦٠. وقد أخرجه من حديث ابن عباس بإسنادين من طريق ابن إسحاق.
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>