للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ١٤٦ إلى ١٤٧]]

﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)

يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب، يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث (١). أن رسول الله قال لرجل معه صغير «ابنك هذا»؟ قال: نعم يا رسول الله أشهد به، قال «أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه».

قال القرطبي (٢): ويروى عن عمر أنه قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا كما تعرف ولدك؟ قال، نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته (٣)، وأبني لا أدري ما كان من أمه (قلت) وقد يكون المراد ﴿يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ﴾ من بين أبناء الناس كلهم، لا يشك أحد ولا يمتري في معرفة ابنه إذا رآه من أبناء الناس كلهم. ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإتقان العلمي ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ أي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، ثم ثبت تعالى نبيه والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، فقال: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾

[[سورة البقرة (٢): آية ١٤٨]]

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)

قال العوفي عن ابن عباس. ولكل وجهة هو موليها يعني بذلك أهل الأديان، يقول لكل قبيلة قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجه المؤمنون. وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم أنتم أيتها الأمة إلى القبلة التي هي القبلة. وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس والسدي نحو هذا، وقال مجاهد في الرواية الأخرى والحسن: أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة، وقرأ ابن عباس وأبو جعفر الباقر وابن عامر «ولكل وجهة هو مولّيها»، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً﴾ [المائدة: ٤٨] وقال هاهنا ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم.


(١) مسند أحمد (ج ٥ ص ٨١)
(٢) تفسير القرطبي ٢/ ١٦٣.
(٣) عبارة القرطبي: «بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه فعرفته».

<<  <  ج: ص:  >  >>