للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إلخ أي هلا ظنوا الخير فإن أم المؤمنين أهله وأولى به.

هذا ما يتعلق بالباطن، وقوله ﴿وَقالُوا﴾ أي بألسنتهم ﴿هذا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ أي كذب ظاهر على أم المؤمنين ، فإن الذي وقع لم يكن ريبة، وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جهرة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة، والجيش بكماله يشاهدون ذلك، ورسول الله بين أظهرهم، ولو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هكذا جهرة ولا كانا يقدمان على مثل ذلك على رؤوس الأشهاد، بل كان يكون هذا لو قدر خفية مستورا، فتعين أن ما جاء به أهل الإفك مما رموا به أم المؤمنين هو الكذب البحت، والقول الزور، والرعونة الفاحشة الفاجرة، والصفقة الخاسرة، قال الله تعالى: ﴿لَوْلا﴾ أي هلا ﴿جاؤُ عَلَيْهِ﴾ أي على ما قالوه ﴿بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ يشهدون على صحة ما جاءوا به ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ﴾ أي في حكم الله كذبة فاجرون.

[[سورة النور (٢٤): الآيات ١٤ إلى ١٥]]

﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٤) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ (١٥)

يقول تعالى: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ أيها الخائضون في شأن عائشة بأن قبل توبتكم وإنابتكم إليه في الدنيا وعفا عنكم لإيمانكم بالنسبة إلى الدار الآخرة ﴿لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ من قضية الإفك ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ وهذا فيمن عنده إيمان رزقه الله بسببه التوبة إليه، كمسطح وحسان وحمنة بنت جحش أخت زينت بنت جحش، فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي ابن سلول وأضرابه، فليس أولئك مرادين في هذه الآية، لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه، وهكذا شأن ما يرد من الوعيد على فعل معين يكون مطلقا مشروطا بعدم التوبة أو ما يقابله من عمل صالح يوازنه أو يرجح عليه.

ثم قال تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ قال مجاهد وسعيد بن جبير: أي يرويه بعضكم عن بعض، يقول هذا سمعته من فلان، وقال فلان كذا، وذكر بعضهم كذا، وقرأ آخرون ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ وفي صحيح البخاري (١) عن عائشة أنها كانت تقرؤها كذلك، وتقول: هو من ولق اللسان يعني الكذب الذي يستمر صاحبه عليه، تقول العرب: ولق فلان في السير إذا استمر فيه، والقراءة الأولى أشهر وعليها الجمهور، ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة أنها كانت تقرأ ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ وتقول: إنما هو ولق القول-والولق الكذب-.

قال ابن أبي مليكة: هي أعلم به من غيرها.


(١) كتاب التفسير، تفسير سورة ٢٤، باب ٧، ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>