للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو سلمة: فقال عبد الله بن سلام: قد عرفت تلك الساعة، هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة، وهي التي خلق الله فيها آدم، قال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلوات الله وسلامة عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ذلك، فقال الله تعالى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر، ولهذا قال: ﴿سَأُرِيكُمْ آياتِي﴾ أي نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾.

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٣٨ إلى ٤٠]]

﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)

يخبر تعالى عن المشركين أنهم يستعجلون أيضا بوقوع العذاب بهم تكذيبا وجحودا وكفرا وعنادا واستبعادا، فقال ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ قال الله تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ أي لو تيقنوا أنها واقعة بهم لا محالة لما استعجلوا به. ولو يعلمون حين يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦] ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ [الأعراف: ٤١] وقال في هذه الآية: ﴿حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ وقال: ﴿سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النّارُ﴾ [إبراهيم: ٥٠] فالعذاب محيط لهم من جميع جهاتهم ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ أي لا ناصر لهم، كما قال: ﴿وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ﴾ [الرعد: ٣٤]. وقوله: ﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً﴾ أي تأتيهم النار بغتة أي فجأة، ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ أي تذعرهم، فيستسلمون لها حائرين ولا يدرون ما يصنعون، ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها﴾ أي ليس لهم حيلة في ذلك، ﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أي ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة.

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٤١ إلى ٤٣]]

﴿وَلَقَدِ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ (٤٣)

يقول تعالى مسليا لرسوله عما آذاه به المشركون من الاستهزاء والتكذيب ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ يعني من العذاب الذي كانوا يستبعدون وقوعه، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٤] ثم ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>