للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان سهلا على النبي صلّى الله عليه وسلم لكن لَمَّا أَجْهَدَهُمُ الْجُوعُ سَأَلُوهُ فِي تَكْثِيرِ طَعَامِهِمْ فَجَمَعُوا مَا مَعَهُمْ فَجَاءَ قَدْرَ مَبْرَكِ الشَّاةِ فدعا الله فيه وأمرهم فملؤوا كُلَّ وِعَاءٍ مَعَهُمْ وَكَذَا لَمَّا احْتَاجُوا إِلَى الماء سأل الله تعالى فجاءتهم سحابة فأمطرتهم فشربوا وسقوا الإبل وملؤوا أَسْقِيَتَهُمْ ثُمَّ نَظَرُوا فَإِذَا هِيَ لَمْ تُجَاوِزِ العسكر. فهذا هو الأكمل في اتباع الشيء مَعَ قَدَرِ اللَّهِ مَعَ مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عليه وسلم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٨ الى ٥٩]

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)

يَقُولُ تَعَالَى لَائِمًا لَهُمْ على نكولهم عن الجهاد ودخولهم الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ لَمَّا قَدِمُوا مِنْ بِلَادِ مِصْرَ صُحْبَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأُمِرُوا بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ الَّتِي هِيَ مِيرَاثٌ لَهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيلَ وَقِتَالِ مَنْ فِيهَا مِنَ الْعَمَالِيقِ الْكَفَرَةِ فَنَكَلُوا عَنْ قِتَالِهِمْ وَضَعُفُوا وَاسْتَحْسَرُوا فَرَمَاهُمُ اللَّهُ فِي التِّيهِ عُقُوبَةً لَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السُّدِّيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ وَأَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدْ قال الله تعالى حاكيا عن موسى يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا [المائدة: ٢١] . وقال آخرون هي أريحاء، وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِهِمْ وهم قاصدون بيت المقدس لا أريحاء، وأبعد من ذلك قول من ذهب إلى أنها مصر، حكاه الرازي في تفسيره، والصحيح الأول أنها بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَهَذَا كَانَ لَمَّا خَرَجُوا مِنَ التِّيهِ بَعْدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَعَ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَشِيَّةَ جُمُعَةٍ وَقَدْ حُبِسَتْ لَهُمُ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلًا حتى أمكن الفتح، وَلَمَّا فَتَحُوهَا أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا الْبَابَ بَابَ الْبَلَدِ سُجَّداً أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ ورد بلدهم عليهم وَإِنْقَاذِهِمْ مِنَ التِّيهِ وَالضَّلَالِ.

قَالَ الْعَوْفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ في قوله تعالى وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أَيْ رُكَّعًا، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً قَالَ: رُكَّعًا مِنْ بَابٍ صَغِيرٍ «١» ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ بِهِ وَزَادَ: «فَدَخَلُوا مِنْ قِبَلِ اسْتَاهِهِمْ» ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ:

أُمِرُوا أَنْ يَسْجُدُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ حال دخلوهم، وَاسْتَبْعَدَهُ الرَّازِيُّ. وَحَكَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ هاهنا بالسجود الْخُضُوعُ لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقَالَ خُصَيْفٌ: قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:

كَانَ الْبَابُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وقتادة والضحاك: هو باب الحطة من


(١) الطبري ١/ ٣٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>