للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله ﴿وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ﴾ أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال تعالى:

﴿وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] الآية، ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، لأنه قال في الآية الأخرى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً﴾ [الأحقاف: ١٥] وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلا ونهارا، ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه، كما قال تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً﴾ [الإسراء: ٢٤] ولهذا قال ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ أي فإني سأجزيك على ذلك أوفر جزاء.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عبد الله بن أبي شيبة ومحمود بن غيلان قالا:

حدثنا عبيد الله، أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال: قدم علينا معاذ بن جبل، وكان بعثه النبي فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني رسول الله إليكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تطيعوني لا آلوكم خيرا، وإن المصير إلى الله إلى الجنة أو إلى النار إقامة فلا ظعن، وخلود فلا موت.

وقوله ﴿وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا، أي محسنا إليهما، ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ﴾ يعني المؤمنين، ﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

قال الطبراني في كتاب العشرة: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنا أحمد بن أيوب بن راشد، حدثنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند أن سعد بن مالك قال:

أنزلت في هذه الآية ﴿وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما﴾ [العنكبوت: ٨] الآية، قال: كنت رجلا برا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت لتدعن دينك هذا أولا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، فقلت: لا تفعلي يا أمه، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. فمكثت يوما وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، مكثت يوما وليلة أخرى لا تأكل، فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي، فأكلت.

[[سورة لقمان (٣١): الآيات ١٦ إلى ١٩]]

﴿يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَاِنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاِصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاِقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاُغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>