﴿صَوْماً﴾ قال: صمتا، وكذا قال ابن عباس والضحاك، وفي رواية عن أنس: صوما وصمتا، وكذا قال قتادة وغيرهما، والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام، نص على ذلك السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد. وقال أبو إسحاق عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود، فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الآخر، فقال: ما شأنك؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم، فقال عبد الله بن مسعود: كلم الناس وسلم عليهم، فإن تلك امرأة علمت أن أحدا لا يصدقها أنها حملت من غير زوج، يعني بذلك مريم ﵍، ليكون عذرا لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير (١) رحمها الله. وقال عبد الرحمن بن زيد: لما قال عيسى لمريم: لا تحزني قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي، لا ذات زوج ولا مملوكة؟ أي شيء عذري عند الناس؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام ﴿فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ قال هذا كله من كلام عيسى لأمه، وكذا قال وهب.
يقول تعالى مخبرا عن مريم حين أمرت أن تصوم يومها ذلك وأن لا تكلم أحدا من البشر، فإنها ستكفي أمرها ويقام بحجتها، فسلمت لأمر الله ﷿ واستسلمت لقضائه، فأخذت ولدها فأتت به قومها تحمله، فلما رأوها كذلك أعظموا أمرها واستنكروه جدا، و ﴿قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا﴾، أي أمرا عظيما، قاله مجاهد وقتادة والسدي وغير واحد. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن أبي زياد، حدثنا سيّار، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا أبو عمران الجوني عن نوف البكالي قال: وخرج قومها في طلبها، قال: وكانت من أهل بيت نبوة وشرف فلم يحسوا منها شيئا، فلقوا راعي بقر فقالوا: رأيت فتاة كذا وكذا نعتها؟ قال: لا ولكني رأيت الليلة من بقري ما لم أره منها قط، قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيتها الليلة تسجد نحو هذا الوادي.
قال عبد الله بن زياد: وأحفظ عن سيّار أنه قال: رأيت نورا ساطعا فتوجهوا حيث قال لهم، فاستقبلتهم مريم، فلما رأتهم قعدت وحملت ابنها في حجرها فجاؤوا حتى قاموا عليها و ﴿قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا﴾ أمرا عظيما ﴿يا أُخْتَ هارُونَ﴾ أي يا شبيهة هارون في