للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٦] الآيات. أزواجهم: أشباههم. قال الإمام أحمد (١) : حدثنا ابن نمير، حدثنا إسماعيل عن نفيع، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قيل يا رسول الله كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال: «أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادرا على أن يمشيهم على وجوههم» (٢) وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق يونس بن محمد عن شيبان عن قتادة عن أنس به نحوه.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ أي ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ﴾ أي العقول والإدراك ﴿قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ﴾ أي قلما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أي بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، وحلالكم وأشكالكم وصوركم ﴿وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي تجمعون بعد هذا التفرق والشتات، يجمعكم كما فرقكم ويعيدكم كما بدأكم. ثم قال تعالى مخبرا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أي متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق ﴿قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ﴾ أي لا يعلم وقت ذلك على التعيين إلا الله ﷿ لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه ﴿وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي وإنما علي البلاغ وقد أديته إليكم.

قال تعالى: ﴿فَلَمّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي لما قامت القيامة وشاهدها الكفار ورأوا أن الأمر كان قريبا لأن كل ما هو آت آت وإن طال زمنه، فلما وقع ما كذبوا به ساءهم ذلك لما يعلمون ما لهم هناك من الشر أي فأحاط بهم ذلك وجاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم في بال ولا حساب ﴿وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ [الزمر: ٤٧ - ٤٨] ولهذا يقال لهم على وجه التقريع والتوبيخ ﴿هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾ أي تستعجلون.

[[سورة الملك (٦٧): الآيات ٢٨ إلى ٣٠]]

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠)

يقول تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الجاحدين لنعمه ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ﴾ أي خلصوا أنفسكم فإنه لا منقذ لكم من الله إلا التوبة والإنابة والرجوع إلى دينه ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال، فسواء عذبنا الله أو رحمنا فلا مناص لكم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بكم.

ثم قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا﴾ أي آمنا برب العالمين الرّحمن الرّحيم


(١) المسند ٣/ ١٦٧.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٥، باب ١، ومسلم في المنافقين حديث ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>