للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَطَعَهَا ثُمَّ جَعَلَهَا سَفِينَةً وَيَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبَرِّ فَكَيْفَ تَجْرِي؟ قَالَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ فَلَمَّا فَرَغَ وَنَبَعَ الْمَاءُ وَصَارَ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ ارْتَفَعَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ بِهِ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ فَلَمَّا بلغ الماء رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بِيَدَيْهَا فَغَرِقَا، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كعب الأحبار ومجاهد بن جبير قِصَّةُ هَذَا الصَّبِيِّ وَأُمِّهِ بِنَحْوٍ مَنْ هَذَا.

[سورة هود (١١) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]

وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧)

هَذَا سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَكَشْفٍ مِنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ حال ولده الذي غرق قال رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أَيْ وَقَدْ وَعَدَتْنِي بِنَجَاةِ أَهْلِي وَوَعْدُكَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يُخْلَفُ فَكَيْفَ غَرِقَ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أَيِ الَّذِينَ وَعَدْتُ إِنْجَاءَهَمْ لِأَنِّي إِنَّمَا وَعَدْتُكَ بِنَجَاةِ مَنْ آمَنَ مَنْ أَهْلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ فَكَانَ هَذَا الْوَلَدُ مِمَّنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِالْغَرَقِ لِكُفْرِهِ وَمُخَالَفَتِهِ أَبَاهُ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَقَدْ نَصَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَخْطِئَةِ مِنْ ذَهَبَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ابْنَ زِنْيَةٍ، وَيُحْكَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ابْنَ امْرَأَتِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ وَابْنِ جرير، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ وبقوله:

فَخانَتاهُما فَمِمَّنْ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ احْتَجَّ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وبعضهم يقول ابْنَ امْرَأَتِهِ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا أَرَادَ الْحَسَنُ أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ نُسِبَ إِلَيْهِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ كَانَ رَبِيبًا عِنْدَهُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: مَا زَنَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أَيِ الَّذِينَ وَعَدْتُكَ نَجَاتَهُمْ.

وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَغْيَرُ مِنْ أَنْ يُمَكِّنَ امْرَأَةَ نَبِيٍّ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَلِهَذَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَى الَّذِينَ رَمَوْا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِهَذَا وَأَشَاعُوهُ وَلِهَذَا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ- إِلَى قَوْلِهِ- إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النُّورِ: ١١- ١٥] .

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ ابْنُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي الْعَمَلِ وَالنِّيَّةِ قَالَ عِكْرِمَةُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ إِنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا غَيْرَ صَالِحٍ، وَالْخِيَانَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>