للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض النساء دون بعض، ثم قال تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً﴾ وهذه هي الحالة الثالثة، وهي حالة الفراق وقد أخبر الله تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه بأن يعوضه الله من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه، ﴿وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً﴾ أي واسع الفضل عظيم المن حكيما في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.

[[سورة النساء (٤): الآيات ١٣١ إلى ١٣٤]]

﴿وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ أَنِ اِتَّقُوا اللهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤)

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض وأنه الحاكم فيهما، ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ﴾ أي وصيناكم بما وصيناهم به من تقوى الله ﷿ بعبادته وحده لا شريك له. ثم قال: ﴿وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ الآية كما قال تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لقومه ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨]. وقال: ﴿فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦] أي غني عن عباده، (حميد) أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه.

قوله: ﴿وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً﴾ أي هو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب الشهيد على كل شيء. وقوله: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً﴾ أي هو قادر على إذهابكم وتبديلكم بغيركم إذا عصيتموه، وكما قال: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] وقال بعض السلف: ما أهون العباد على الله إذا أضاعوا أمره. وقال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم: ١٩ - ٢٠] أي وما هو عليه بممتنع.

وقوله: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ﴾ أي يا من ليس له همة إلا الدنيا، اعلم أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة، وإذا سألته من هذه أغناك وأعطاك وأقناك، كما قال تعالى: ﴿فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ* وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ* أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا﴾ [البقرة: ٢٠٠ - ٢٠٢]، وقال تعالى: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ [الشورى: ٢٠]، وقال تعالى: ﴿مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ﴾ -إلى قوله- ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ١٨ - ٢١] الآية، وقد زعم ابن جرير (١)


(١) تفسير الطبري ٤/ ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>