للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليا فطافا بالناس في ذي المجاز وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحاب العهد بأن يؤمّنوا أربعة أشهر فهي الأشهر المتواليات عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الآخر ثم لا عهد لهم، وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا (١)، وهكذا روي عن السدي وقتادة وقال الزهري: كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم، وهذا القول غريب وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر حين نادى أصحاب رسول الله بذلك ولهذا قال تعالى:

[[سورة التوبة (٩): آية ٣]]

﴿وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣)

يقول تعالى وإعلام ﴿مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ وتقدم وإنذار إلى الناس ﴿يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ وهو يوم النحر الذي هو أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعا ﴿أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ أي بريء منهم أيضا ثم دعاهم إلى التوبة إليه، فقال ﴿فَإِنْ تُبْتُمْ﴾ أي مما أنتم فيه من الشرك والضلال ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي استمررتم على ما أنتم عليه ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ﴾ بل هو قادر عليكم وأنتم في قبضته وتحت قهره ومشيئته، ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ أي في الدنيا بالخزي والنكال وفي الآخرة بالمقامع والأغلال.

قال البخاري (٢) : حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في المؤذنين الذين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد: ثم أردف النبي بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة، قال أبو هريرة فأذن معنا علي في أهل منى يوم النحر ببراءة، وأن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان.

ورواه البخاري (٣) أيضا: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه


(١) تفسير الطبري ٦/ ٣٠٤.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٩، باب ٢، ٣.
(٣) كتاب الجهاد باب ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>