للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العطاردي، سمعت ابن عباس رضي الله عنهما وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ أَمْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُوَاتِيًا أَوْ مُقَارِبًا مَا لَمْ يتكلموا في الوالدان وَالْقَدَرِ» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَعْنِي أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ جرير بن حازم، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي رجاء عن ابن عباس موقوفا.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٦]]

وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦)

اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ أَمَرْنا

فَالْمَشْهُورُ قِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ، وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا، فَقِيلَ: مَعْنَاهَا أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا أَمْرًا قَدَرِيًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً [يُونُسَ: ٢٤] فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، قَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَخَّرَهُمْ إِلَى فِعْلِ الْفَوَاحِشِ، فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَاتِ فَفَعَلُوا الْفَوَاحِشَ، فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا. وَقَالَ ابن جرير «١» : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ، قُلْتُ إِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَمَرْنا مُتْرَفِيها

، قَالَ عَلِيُّ بْنُ طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها

يَقُولُ: سَلَّطْنَا أَشْرَارَهَا فَعَصَوْا فِيهَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذلك أهلكهم الله بِالْعَذَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها [الأنعام: ١٢٣] الآية، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ.

وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها

يَقُولُ، أَكْثَرْنَا عَدَدَهُمْ «٢» ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ. وَعَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَمَرْنا مُتْرَفِيها

أَكْثَرْنَا، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ بِالْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٣» ، حَيْثُ قَالَ:

حَدَّثَنَا روح بن عبادة، حدثنا أبو نعيم الْعَدَوِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ بُدَيْلٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «خَيْرُ مَالِ امْرِئٍ لَهُ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ، أَوْ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْغَرِيبِ: «الْمَأْمُورَةُ كَثِيرَةُ النَّسْلِ، وَالسِّكَّةُ الطَّرِيقَةُ الْمُصْطَفَّةُ مِنَ النَّخْلِ، وَالْمَأْبُورَةُ مِنَ التَّأْبِيرِ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا جَاءَ هذا متناسبا كقوله «مأزورات غير مأجورات» .

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ١٧]]

وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧)

يَقُولُ تَعَالَى مُنْذِرًا كُفَّارَ قُرَيْشٍ فِي تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنَّهُ قَدْ أهلك من المكذبين


(١) تفسير الطبري ٨/ ٥١.
(٢) انظر تفسير الطبري ٨/ ٥٢.
(٣) المسند ٥/ ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>