للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤١] ولهذا قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ أي وخلقهم، فهو الخالق وحده لا شريك له، فكيف يعبد معه غيره، كقول إبراهيم ﴿أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥ - ٩٦] ومعنى الآية، أنه هو المستقل بالخلق وحده، فلهذا يجب أن يفرد بالعبادة، وحده لا شريك له.

وقوله تعالى: ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ينبه به تعالى عن ضلال من ضل، في وصفه تعالى بأن له ولدا كما يزعم من قاله من اليهود في عزير، ومن قال من النصارى في عيسى، ومن قال من مشركي العرب في الملائكة، إنها بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ومعنى وخرقوا أي اختلقوا وائتفكوا وتخرصوا وكذبوا، كما قاله علماء السلف: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وخرقوا يعني تخرصوا (١)، وقال العوفي عنه ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ قال كذبوا وكذا قال الحسن، وقال الضحاك، وضعوا، وقال السدي قطعوا، قال ابن جرير (٢): وتأويله إذا وجعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياهم، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير، ﴿وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [يقول:

وتخرصوا لله كذبا فافتعلوا له بنين وبنات بغير علم منهم] (٣) بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلا بالله وبعظمته، فإنه لا ينبغي لمن كان إلها، أن يكون له بنون وبنات، ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك.

ولهذا قال ﴿سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَصِفُونَ﴾ أي تقدس وتنزه وتعاظم، عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون، من الأولاد والأنداد والنظراء والشركاء.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٠١]]

﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١)

﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي مبدعهما، وخالقهما، ومنشئهما، ومحدثهما، على غير مثال سبق، كما قال مجاهد والسدي: ومنه سميت البدعة بدعة، لأنه لا نظير لها فيما سلف، ﴿أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ أي كيف يكون ولد، ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ﴾، أي والولد إنما يكون متولدا بين شيئين متناسبين، والله تعالى لا يناسبه ولا يشابهه شيء من خلقه، لأنه خالق كل شيء، فلا صاحبة له ولا ولد، كما قال تعالى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا﴾ إلى قوله ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً﴾ [مريم: ٨٨ - ٩٥] ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فبين تعالى أنه الذي خلق كل شيء، وأنه بكل شيء عليم، فكيف يكون له صاحبة من خلقه تناسبه، وهو الذي لا نظير له، فأنى يكون له ولد، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.


(١) تفسير الطبري ٥/ ٢٩٢.
(٢) المصدر السابق.
(٣) الزيادة بين معقوفين من الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>