للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة يجيئون بالكتاب والقرآن من عند الله إلى الناس وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً﴾ [المرسلات: ٥]. وقوله ﷿: ﴿إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ هذا هو المقسم عليه أنه تعالى لا إله إلا هو رب السموات والأرض ﴿وَما بَيْنَهُما﴾ أي من المخلوقات ﴿وَرَبُّ الْمَشارِقِ﴾ أي هو المالك المتصرف في الخلق بتسخيره بما فيه من كواكب ثوابت وسيارات تبدو من المشرق وتغرب من المغرب. واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالتها عليه وقد صرح بذلك في قوله ﷿: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ﴾ [المعارج: ٤٠] وقال تعالى في الآية الأخرى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٧] يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.

[[سورة الصافات (٣٧): الآيات ٦ إلى ١٠]]

﴿إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠)

يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب، قرئ بالإضافة وبالبدل وكلاهما بمعنى واحد فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرم السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض كما قال : ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ٥] وقال ﷿ ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ﴾ [الحجر: ١٦ - ١٨] فقوله جل وعلا هاهنا: ﴿وَحِفْظاً﴾ تقديره وحفظناها حفظا ﴿مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾ يعني المتمرد العاتي إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه ولهذا قال ﴿لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى﴾ أي لئلا يصلوا إلى الملأ الأعلى وهي السموات ومن فيها من الملائكة إذا تكلموا بما يوحيه الله تعالى بما يقوله من شرعه وقدره كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث التي أوردناها عند قوله : ﴿حَتّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ: ٢٣] ولهذا قال تعالى:

﴿وَيُقْذَفُونَ﴾ أي يرمون ﴿مِنْ كُلِّ جانِبٍ﴾ أي من كل جهة يقصدون السماء منها ﴿دُحُوراً﴾ أي رجما يدحرون به ويزجرون ويمنعون من الوصول إلى ذلك ويرجمون ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ﴾ أي في الدار الآخرة لهم عذاب دائم موجع مستمر كما قال جلت عظمته ﴿وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ٥].

وقوله : ﴿إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ﴾ أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة وهي الكلمة يسمعها من السماء فيلقيها إلى الذي تحته ويلقيها الآخر إلى الذي تحته فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها بقدر الله تعالى قبل أن يأتيه الشهاب فيحرقه فيذهب بها الآخر إلى الكاهن كما تقدم في الحديث ولهذا قال ﴿إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>