للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر فجاء بماله كله يكاد أن يخفيه من نفسه، حتى دفعه إلى النبي فقال له النبي: «ما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر؟» فقال: عدة الله وعدة رسوله، فبكى عمر وقال: بأبي أنت وأمي يا أبا بكر، والله ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقا، وهذا الحديث روي من وجه آخر عن عمر ، وإنما أوردناه هاهنا لقول الشعبي: إن الآية نزلت في ذلك، ثم إن الآية عامة في أن إخفاء الصدقة أفضل، سواء كانت مفروضة أو مندوبة، لكن روى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيره هذه الآية، قال: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها فقال بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها فقال بخمسة وعشرين ضعفا.

وقوله: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ﴾ أي بدل الصدقات ولا سيما إذا كانت سرا، يحصل لكم الخير في رفع الدرجات ويكفر عنكم السيئات. وقد قرئ ويكفر بالجزم عطفا على محل جواب الشرط وهو قوله: ﴿فَنِعِمّا هِيَ﴾ كقوله: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ﴾ [المنافقون: ١٠] وقوله:

﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي لا يخفى عليه من ذلك شيء وسيجزيكم عليه.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٧٢ إلى ٢٧٤]]

﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ اِبْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٢٧٢) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٧٤)

قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا محمد بن عبد السلام بن عبد الرحيم، أنبأنا الفريابي حدثنا سفيان عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ، وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ، وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾. وكذا رواه أبو حذيفة وابن المبارك وأبو أحمد الزبيدي وأبو داود الحضرمي عن سفيان، وهو الثوري به، وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن يعني الدشتكي، حدثني أبي عن أبيه، حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام، حتى نزلت هذه الآية ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ﴾ إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك من كل دين، وسيأتي عند قوله تعالى: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ﴾ [الممتحنة:

<<  <  ج: ص:  >  >>