للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدنيا لحقارتهم كما روى الترمذي وابن ماجة من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد قال:

قال رسول الله «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء أبدا» (١) قال الترمذي: حسن صحيح.

[[سورة الزخرف (٤٣): الآيات ٣٦ إلى ٤٥]]

﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤) وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ﴾ أي يتعامى ويتغافل ويعرض ﴿عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ﴾ والعشا في العين ضعف بصرها، والمراد هاهنا عشا البصيرة ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ كقوله تعالى:

﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾ [النساء: ١١٥] الآية، وكقوله: ﴿فَلَمّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف: ٥] وكقوله : ﴿وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ﴾ [فصلت: ٢٥] الآية، ولهذا قال هاهنا: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتّى إِذا جاءَنا﴾ (٢) أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله ﷿ يوم القيامة يتبرم بالشيطان الذي وكل به ﴿قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ وقرأ بعضهم «حتى إذا جاءانا» يعني القرين والمقارن.

قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال: بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة سفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله إلى النار، فذلك حين يقول ﴿يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب وإنما استعمل هاهنا تغليبا كما يقال: القمران والعمران والأبوان، قاله ابن جرير (٣) وغيره.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ أي لا يغني عنكم


(١) أخرجه الترمذي في الزهد باب ١٣، وابن ماجة في الزهد باب ٣.
(٢) انظر تفسير الطبري ١١/ ١٨٩.
(٣) تفسير الطبري ١١/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>