للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْرائِيلَ﴾ -إلى قوله- ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [يونس: ٩٠ - ٩١] وقال تعالى: ﴿فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾ [غافر: ٨٤ - ٨٥] الآيات.

وقوله تعالى: ﴿أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ إنكار عليهم وتهديد لهم، فإنهم كانوا يقولون للرسول تكذيبا واستبعادا: ﴿اِئْتِنا بِعَذابِ اللهِ﴾ [العنكبوت: ٢٩]، كما قال تعالى:

﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ﴾ [العنكبوت: ٥٣] الآيات، ثم قال ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾ أي لو أخرناهم وأنظرناهم وأملينا لهم برهة من الدهر وحينا من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر الله أي شيء يجدي عنهم ما كانوا فيه من النعيم ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها﴾ [النازعات: ٤٦] وقال تعالى:

﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ﴾ [البقرة: ٩٦] وقال تعالى: ﴿وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى﴾ [الليل: ١١] ولهذا قال تعالى: ﴿ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ﴾.

وفي الحديث الصحيح «يؤتى بالكافر فيغمس في النار غمسة ثم يقال له: هل رأيت خيرا قط؟ هل رأيت نعيما قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا كان في الدنيا، فيصبغ في الجنة صبغة، ثم يقال له: هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول: لا والله يا رب» (١) أي ما كأن شيئا كان. ولهذا كان عمر بن الخطاب يتمثل بهذا البيت:

كأنك لم تؤثر من الدهر ليلة … إذا أنت أدركت الذي أنت تطلب

ثم قال تعالى مخبرا عن عدله في خلقه أنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم، وبعثة الرسل إليهم، وقيام الحجة عليهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاّ لَها مُنْذِرُونَ ذِكْرى وَما كُنّا ظالِمِينَ﴾ كما قال تعالى: ﴿وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: ١٥] وقال تعالى: ﴿وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا﴾ -إلى قوله- ﴿وَأَهْلُها ظالِمُونَ﴾ [القصص: ٥٩].

[[سورة الشعراء (٢٦): الآيات ٢١٠ إلى ٢١٢]]

﴿وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)

يقول تعالى مخبرا عن كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله ﴿وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ﴾ ثم ذكر أنه يمتنع عليهم ذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ما ينبغي لهم، أي ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم، لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَما يَنْبَغِي لَهُمْ﴾.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣/ ٢٠٣، ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>