للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الفتح (٤٨): الآيات ٢٠ إلى ٢٤]]

﴿وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤)

قال مجاهد في قوله تعالى: ﴿وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها﴾ هي جميع المغانم إلى اليوم ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ﴾ يعني فتح خيبر، وروى العوفي عن ابن عباس ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ﴾ يعني صلح الحديبية (١) ﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ﴾ أي لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال، وكذلك كف أيدي الناس عنكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم عن عيالكم وحريمكم ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي يعتبرون بذلك، فأن الله تعالى حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم، وليعلموا بصنيع الله هذا بهم إنه العالم بعواقب الأمور، وإن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر كما قال ﷿ ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦] ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً﴾ أي بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته، وموافقتكم رسوله .

وقوله : ﴿وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ أي وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها، قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون، وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ما المراد بها فقال العوفي عن ابن عباس هي خيبر، وهذا على قوله ﷿: ﴿فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ﴾ إنها صلح الحديبية، وقاله الضحاك وابن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال قتادة: هي مكة واختاره ابن جرير (٢)، وقال ابن أبي ليلى والحسن البصري: هي فارس والروم، وقال مجاهد: هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس ﴿وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها﴾ قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.

وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً﴾ يقول ﷿ مبشرا لعباده المؤمنين، بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم، ولا نهزم جيش الكفر فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا نصيرا، لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين. ثم قال : ﴿سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً﴾ أي هذه سنة الله وعادته في خلقه، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٣٥١.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>