والثمار، فبين تعالى أنه أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا، ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن، وسواد وهو المعز ذكره وأنثاه، وإلى إبل ذكورها وإناثها وبقر كذلك وأنه تعالى لم يحرم شيئا من ذلك ولا شيئا من أولادها، بل كلها مخلوقة لبني آدم أكلا وركوبا وحمولة وحلبا وغير ذلك من وجوه المنافع، كما قال ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ﴾ [الزمر: ٦] الآية. وقوله تعالى: ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ رد عليهم في قولهم ﴿ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا﴾ الآية. وقوله تعالى: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أي أخبروني عن يقين، كيف حرم الله عليكم ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك.
وقال العوفي عن ابن عباس: قوله ﴿ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ فهذه أربعة أزواج ﴿وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ يقول لم أحرم شيئا من ذلك ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ يعني هل يشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا؟ ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ يقول تعالى كله حلال.
وقوله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللهُ بِهذا﴾ تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله من تحريم ما حرموه من ذلك ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي لا أحد أظلم منهم ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ وأول من دخل في هذه الآية عمرو بن لحي بن قمعة، لأنه أول من غير دين الأنبياء وأول من سيب السوائب ووصل الوصيلة وحمى الحامي، كما ثبت ذلك في الصحيح.
يقول تعالى آمرا عبده ورسوله محمدا ﷺ ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الذين حرموا ما رزقهم الله افتراء على الله، ﴿لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ أي آكل يأكله قيل معناه لا أجد شيئا مما حرمتم حراما سوى هذه، وقيل معناه لا أجد من الحيوانات شيئا حراما سوى هذه، فعلى هذا يكون ما ورد من التحريمات بعد هذا في سورة المائدة وفي الأحاديث الواردة رافعا لمفهوم هذه الآية، ومن الناس من يسمي هذا نسخا والأكثرون من المتأخرين لا يسمونه نسخا لأنه من باب رفع مباح الأصل والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس ﴿أَوْ دَماً مَسْفُوحاً﴾ يعني المهراق. وقال عكرمة في قوله ﴿أَوْ دَماً مَسْفُوحاً﴾ لولا هذه الآية لتتبع الناس ما في العروق كما تتبعه اليهود، وقال حماد عن عمران بن حدير قال: سألت أبا مجلز عن الدم، وما يتلطخ من الذبيح من الرأس وعن القدر