للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن عمرو من زاملتيه (١) اللتين أصابهما يوم اليرموك، والله أعلم.

قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ قالوا: هي الجنوب. وقد ثبت في الصحيح من رواية شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله : «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور» (٢) ﴿وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ﴾ قال ابن جرير: يعني إلى وقت فناء آجالكم.

والظاهر أن هذه كقوله تعالى: ﴿وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ﴾ [فصلت: ١٧] وهكذا قال هاهنا: ﴿وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار ﴿فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ﴾ أي من هرب ولا نهوض ﴿وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ﴾ أي لا يقدرون على أن ينتصروا مما هم فيه. وقوله ﷿: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ﴾ أي وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلاء ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة من سور متعددة، والله أعلم.

[[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٤٧ إلى ٥١]]

﴿وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)

يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي ﴿وَالسَّماءَ بَنَيْناها﴾ أي جعلناها سقفا محفوظا رفيعا ﴿بِأَيْدٍ﴾ أي بقوة، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والثوري وغير واحد ﴿وَإِنّا لَمُوسِعُونَ﴾ أي قد وسعنا أرجاءها فرفعناها بغير عمد حتى استقلت كما هي ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْناها﴾ أي جعلناها فراشا للمخلوقات ﴿فَنِعْمَ الْماهِدُونَ﴾ أي وجعلناها مهدا لأهلها.

﴿وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ﴾ أي جميع المخلوقات أزواج سماء وأرض وليل ونهار، وشمس وقمر وبر وبحر وضياء وظلام، وإيمان وكفر وموت وحياة وشقاء وسعادة وجنة ونار، حتى الحيوانات والنباتات، ولهذا قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي لتعلموا أن الخالق واحد لا شريك له ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾ أي الجؤوا إليه واعتمدوا في أموركم عليه ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ. وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾ أي لا تشركوا به شيئا ﴿إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾.

[[سورة الذاريات (٥١): الآيات ٥٢ إلى ٦٠]]

﴿كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)


(١) الزاملة: البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع.
(٢) أخرجه البخاري في الاستسقاء باب ٢٦، ومسلم في الاستسقاء حديث ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>